حديث الجمعة (1) : أتاكم رمضان ... شهر مباركٌ

حديث الجمعة 1 

أتاكم رمضان ... شهر مباركٌ

في العام الثاني من الهجرة النبويّة وبعد مرور عامين على شروق شمس الإسلام التي أنارت الصحاري والقفار، وملأت الأرض نوراً والأرجاء عدلاً ، وأخرجت النّاس من الجاهليّة الظالمة الظلماء ومن عبادة النّاس إلى عبادة ربّ النّاس ، ومن الصلاة خلف الأصنام والنذر لغير اللّه ، نزل أمرٌ إلهي من ربٍّ السّماء حاملاً فريضةٌ جديدة وركنٌ أساسي من أركان هذا الدّين إنّها 

فريضة الصيام في شهر رمضان .

فُرض في العام الثاني من رحلة انتشار وتوسّع الإسّلام على النّاس كافّة كما فرض على الذي من قبلهم من الخلق فجاء النداء الربّاني : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) تأكيداً على عظم هذه العبادة وفرضيتها،فالأمّة التي كانت خير أمّةٍ أخرجت للناس لم تُحرم من خيرٍ قطّ وكُلّ ما أُمرت بهِ أو فُرض عليها هو خيرٌ لها ، ولا يوجد خير كان في الأمم السابقة إلا وجُعل في هذه الأمّة بأبهى صوره وأجمل شعائره. 

قال عنه نبيبنا المختار خير من صام وقام ليبشرنا به بقوله عليه الصّلاة والسّلام : (( أتاكم رمضان ، شهرٌ مباركٌ ، فرض اللّه عزّ وجل عليكم صيامه ، تُفتح فيه أبواب السَّماء ، وتُغلق فيه أبواب الجحيم ، وتُغلّ فيه مَرَدَة الشَّياطين ، للّه فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهر ، من حُرِم 

خيرها فقد حُرِم )) .

وهذا الفاروق عمر بن الخطاب يقول عن شهر رمضان مُستقبلاً له : ( مرحبا بمطهرنا من الذنوب ) وكان دعاء يحيى بن أبي كثير : ( اللهم سلّمني إلى رمضان ، وسلّم لي رمضان ، وتسّلمه مني مُتقبلا ) شوقاً إلى شهر رمضان .

كانوا يستبشرون به وينتظرونه من العام للعام حتى أنهم كانوا يسألون اللّه أن يبلغهم رمضان قبل دخوله بستةِ أشهر ، ينتظرون شهر غفرانهم من الذنوب وهم الخلفاء الأبرار والصحابة الكرام .

وكان من حكمة اللّه أن يكون أجر الصيام يختلف عن سائر العبادات والطاعات ، فكلّ العبادات حُدد جزاءها وأجرها إلا الصيام أخفى اللّه أجره لعظمه وقدسيته وجعل جزاءه في علم الغيب إلى يوم القيامة تعظيماً وتكريماً لهذا الطاعة الجليلة والعبادة الرفيعة ، فجاء في حديث النبيّ أنّه قال : ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ).

فافتحوا الأبواب لشهركم ، صُوموا النّهار ، وقُوموا الليل ، سامِحوا وتسامَحوا ، طهروا قلوبكم ، وصفّوا نواياكم ، صِلوا أرحامكم ، وأطعِموا جائعكم ، وتصدّقوا من أموالكم ، واسّألوا عن أحبابكم وأصدقائكم ، اجعلوا شهرنا هذا بداية جديدة للتقرّب من ربنا وللتغيير من حياتنا وعاداتنا ، ولنجعل الثلاثون يوماً هذه نقطة تحوّل لنا لا مرحلة مؤقتة وعابرة من حياتنا، شمّروا الأيادي وأشحذوا الهمم وتسلّموا رمضان وادعوا ربكم أن يتسلّمه منّا مُتقبلاً .